حرفة البناء بالحجر
عبد الوهاب الشيخ خليل
مجتمع
الاثنين : 07-12-2009
إن قلت مهنة, أو قلت صنعة أو قلت حرفة فالمدلول واحد وكلها تدلل على عمل ما يحتاج الناس نتاجه, وأحدثكم اليوم عن حرفة البناء بالحجر, وهي
حرفة يدوية تحتاج إلى قوة ومهارة, تبدأ ممارسة هذه الحرفة من مقالع الحجر, ومدينة حماة تشتهر بمقالعها وحجرها الأبيض الصلب, وتقع هذه المقالع غالباً في منطقة كفر بهم المشهورة بـ ( كفربو), والذين يعملون في قلع الأحجار يسمون (حجارين), وعائلة الحجار مشهورة في حماة.
لكن كيف تفجر الأحجار؟
يثقب الصخر بواسطة آلة يدوية تسمى المخل, والمخل هذا قضيب من الفولاذ مسدس الأضلاع يبلغ طوله مترين وقطره ثلاثة سنتمترات ورأسه مبسّط كرأس الإزميل يأخذه عامل شاب قوي الساعدين فيطرق به ويفتله في أثناء الطرق حتى يُحدث في الصخرة ثقباً ويبقى على هذا الطرق حتى يبلغ عمق الثقب خمسين سنتمتراً فيملأ هذا الثقب بالديناميت ثم يفجر الديناميت وتتفجر معه الصخور بأحجام مختلفة ثم تفصّل تلك الصخور تفصيلاً أولياً بحسب ما يقتضيه البناء منها, ( البناًّية) هي الحجرة التي توضع في وسط الجدار ومنها ما يسمى( كلب طب) وهو الحجر الذي يوضع في زوايا البناء ومنها ( العمود) وقد يستعمل في مداخل البناء وغير ذلك, ومنها ( النجفة) وتجمع على ( نجف) وهي الحجر الذي يوضع فوق عمودين, ومنها ( الربدة) وتجمع على ( رَبَدْ).
والحجّار يستعمل أدوات ثقيلة لتقصيف تلك الأحجار, منها (المهدّة) وهي مطرقة من الفولاذ, ومنها( الشاقوف) ويختلف الشاقوف عن المهدّة بأن يكون أحد طرفيه مرققاً بعض الشيء يتعامل الحجّار مع الأحجار الكبيرة بهاتين الآلتين مع بعض الأزاميل الكبيرة الفولاذية.
قبل أن يبدأ البناء يكون المهندس قد أنهى خارطته فيجتمع مع البناء والنحّات ويطلعهما على أبعاد البناء طولاً وعرضاً وارتفاعاً وأبواباً ونوافذ وعدد الطوابق والغرف والممرات وما إلى ذلك ويسلم كلاًّ منهما نسخة منها فيدرسانها دراسة مشتركة ويتفقان على أنواع الأحجار وعددها ثم يتفقان مع مقلع ما ليقدم لهما الأحجار المطلوبة فتأتي الأحجار إلى أرض البناء وترمى بمكان لا يعيق عمل البناء وورشته, ويقوم النحات بعمله وهو أهم عمل في البناء, عدة النحات كلها من الفولاذ إلا القليل : منها ( البك) و( المطرقة) و(الشاحوطة) و(الزاوية)و( الأزاميل الفولاذية) و(متر مطوي) و(قلم رصاص كبير فحمي الخط) البيك هو مطرقة ثقيلة مدببة الرأسين وهو من الفولاذ المسقي الذي زادته السقاية صلابة فائقة, الشاحوطة هي مستطيل من الفولاذ المسقي أيضاً قد يصل وزنه إلى أربعة كيلو غرامات مثبت على عصا من وسطه وله أسنان من الجانبين, جانب أسنانه خشنة وحادة وجانب أسنانه ناعمة وحادة أيضاُ, المطرقة نصابها قصير جداً مربعة الجانبين وأطراف مربعيها حادة بشكل يستطيع النحات أن يقصف بها ما يشاء من الحجر, والزاوية يختبر بها حسن مستوى سطح الحجر والأزاميل لتقصيف أطراف الحجر.
وهناك آلة أخرى تسمى (المطبة) وهي مطرقة مربعة بكاملها وزنها لايقل عن ثلاثة كيلو غرامات, أما مربعاها من طرفيها فيكونان محززين بشكل متقاطع فتتشكل لها أسنان من الجانبين جانب أخشن من جانب وهي آلة هامة في عدة النحات.
كيف ينحت النحات الحجر؟
يسطح النحات الحجرة على الأرض ثم يجعلها بين قديمه وهو واقف ثم ينهال عليها بالبيك من رأسها الأولى نزولاً حتى نهايتها فيجعل سطحها متساوياً إلا أنه خشن جداً ثم يجلسها على أحد حديها ويجلس أمامها على قطعة حصيرة وينحتها بالشاحوطة من الجانب الخشن ثم يعيد عليها بالجانب الناعم من الشاحوطة, وكلما نحت قسماً منها يقيس سويتها بالزاوية حتى ينهيها بالشاحوطة الناعمة, ثم يأتي دور المطبة فينعمها بالمطبة خشناً وناعماً وبهذا نكون قد وصلنا إلى حجر ناعم السطح, هنا يبدأ النحات يؤطرها بوساطة الإزميل والمطرقة ثم يحدد مقاييسها بوساطة المتر والزاوية ويعلم حدودها بالمسطرة والقلم الفحمي ثم يقصِّف الزوائد بالمطرقة ذات المربعين الحادين ثم يقصف ذيلها فتصبح البنَّاية مع ذيلها بشكل (كونيك) أي شكل الضرس المخلوع مع جذره, أما الحجر المسمى (كلب طب) فله وجهان, ويوضع في زاوية الجدار وكذلك العمود, وأما النجفة فتوضع فوق عمودين وغالباً ماتكون فوق الأبواب, ثم تنقل هذه الأحجار إلى مكان البناء فيستلمها البنّاء مشغولة حسب حسابات دقيقة مضبوطة جداً.
البنّاء:
يبني البناء الأحجار فوق أساسات قوية يقف المعلم أي البناء ويطلب الأحجار بأسمائها من معاونيه, فمثلاً يقول: ( هات (كلب طب) يا ولد! فيؤتى به إلى حيث يكون المعلم في الزاوية فيضعه في الزاوية ثم يضع ( كلب طب) آخر في الزاوية المقابلة ثم يشد خيطاً بينهما.
ثم يأخذ ببناء البناَّيات وهي أحجار وسط الجدار, والدور الواحد من البناء يسمى ( مدمك) وتركز أحجار المدماك الثاني على مفاصل المدماك الأول فتشدها وتتماسك معها وهكذا.
أما الجهة الخلفية للبناء فيثبت عليه ألواح خشبية تكون على مستوى ( سمك: الجدار ثم تملأ الفراغات بالملاط وشحوف الأحجار حتى تسد جميع الفراغات, وكلما اكتمل مدماك من البناء تسد خلفيته بهذه الطريقة فيكتمل البناء من الجانبين, وكان يستعمل الملاط قبل الإسمنت وهو أقوى من الإسمنت, ولو تذكرت ـ عزيزي القارئ!ـ بناء حارة الكيلانية الذي كان مغموراً أسفله في الماء فإن (مونته) كانت من الملاط.
ماهو الملاط؟ وماهي عناصره؟ عناصر الملاط هي الكلس المطفأ والقصرمل, والقصرمل هو تفحم وقود( الأميم) الذي يصبح بلورات صلبة جداً, تسحق هذه البلورات وتجبل وستعمل مونة للبناء, وتستعمل أيضاً في تلبيس الجدران بعد أن تخلط بالقنب المقرَّض.
التربيد:
التربيد هو سقف البيوت بالأحجار وتستعمل هذه الطريقة في قرى حوران.
كيف يكون التربيد؟
قبل أن يتم بناء البيت بمدماكين يبنون مدماكاً بأحجار أطول من أحجار المداميك التي قبله ويجعلون زيادتها إلى داخل البناء وهذه الزيادات يسمونها موازين, ثم يبنون فوقها مدماكين آخرين فتثبتها ثم يأتون بالربد, والربدة حجر أزرق منحوت بشاحوطة وإزميل طوله يساوي عرض البيت المبني, وهذا الحجر مشطوف طرفه من الأعلى, ووزنه أكثر من نصف طن, فيتكاثرون عليه ويرفعونه بوساطة الحبال والعمد ويثبتونه على ميزانين متقابلين, ثم يأتون بربدة أخرى مشطوفة من الأسفل ويثبتونها مثل سابقتها بشكل تقع الشطفة على الشطفة وتلتحم معها وهكذا حتى يغطى البيت بالربد