موضوع: صناعة الفخار حرفة قديمة الإثنين يناير 03, 2011 4:12 am
ان الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله
من شرور انفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له
و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا
عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم
بإحسان الى يوم الديـــن و سلم تسليما كثيرا ، أما بعد ...
صناعة الفخار حرفة قديمة
صناعة الفخار حرفة قديمة
توارثها أبناء عن آباء عن أجداد فقدر لها الحماية والاستمرار إلى عصرنا ، وذلك على رغم ما عانته من إهمال وما حاق بها من ممارسات هدفت إلى طمسها وتغييبها ولاسيما سرقتها كونها رمز حضارة وتاريخ.
قديماً كانت المادة الأساسية التي يستخدمها الإنسان في صناعة كثير من مستلزمات الحياة كأواني الغذاء ولاسيما المسكن المجبول من الطين والصلصال أما اليوم فغدا فقط محصوراً في صناعة أواني الزهور وتحف الزينة وديكورات المنازل والفنادق السياحية بشيء من الإبداع الفني.
ولعل صناعة الفخار في فلسطين عرفت من قديم الأزل سنة 4000 قبل الميلاد نظراً لمواكبة شعبها الحضارات الإنسانية وتأثره بها، وراح الفلسطيني خاصةً في قطاع غزة يصنع من الفخار الأواني التي تعينه على ممارسة حياته اليومية بسهوله فصنع منها أواني المنزل الخاصة بالتخزين كبديل عن القرب التي كان يصنعها من جلد الحيوانات بالإضافة إلى صناعة الأكواب والجرار الخاصة بالماء والأباريق وأواني الطهي المختلفة الأشكال والأحجام ساعده على ذلك انخفاض سعر المادة الخام للفخار ناهيك عن سهولة صناعته فهو لا يحتاج إلى مهارات نوعية.
ترصد صناعة الفخار في الوطن الفلسطيني، يعرض لملامح تاريخية عن تلك الصناعة ويكشف عوامل تراجعها في العصر الحديث، نجول الورش الخاصة به نتحدث إلى من امتهنوا صناعته وآثروا حمايته من الانقراض والضياع، كما نبرز آليات صموده في وجه الظروف القاسية التي تعرض لها:
ليس هناك أبدع من شيء تصنعه بيدك وتسجله بمشاعر وأحاسيس صادقة نابعة من عميق قلبك فتكون دلالاته إنسانية تاريخية تراثية فنية عريقة تخبر بالماضي الذي كان وتؤصل لمستقبل مشرق يشع نوراً وبهاءً.
قديماً عرف الفلسطينيون صناعة الفخار منذ الألف الرابع قبل الميلاد وكانوا قبل ذلك يستخدمون الصخر الذي حد من إمكانية الإبداع والتشكيل نظراً لصعوبة التعامل معه، وأيام غزو نابليون لمدينة غزة ظن أن المزاريب الفخارية المضمنة أسطح المنازل مدافع حربية غير أنه اكتشف أنها تساعد في إنزال مياه الأمطار إلى الأرض فتزيد خصوبتها وينعكس ذلك على وفرة إنتاجها وقد دون هذه الحادثة الطريفة في مذكراته ليؤكد على أن الفلسطينيين عرفوا صناعة الفخار واستخدموه بأشكال متعددة في حياتهم اليومية نظراً لتعذر المواد الأخرى وكذلك شيوعه ورخص ثمنه وسهولة تشكيله.
وظلت صناعة الفخار الأولى في الوطن الفلسطيني وتناقلت بين المدن الفلسطينية فتميزت إحداها عن الأخرى وتنوعت المنتوجات وتعددت الأشكال والزخارف والإبداعات الفنية في الصناعات الفخارية وكانت بمثابة مهنة تراثية يتناقلها الأبناء عن الآباء عن الأجداد يضيفون عليها ويزيدون في مجال إبداعهم فيها وكانت أكثر المناطق الغزية التي انتشرت فيها صناعة الفخار حي الفواخير وحي الدرج بغزة وما زالت إلى يومنا هذا بالإضافة إلى منطقة تل العجول بالقرب من وادي غزة إذ عثر هناك على الكثير من الآثار الفخارية التي تعود أصولها إلى آلاف السنين.
ولما دب التطور في أوصال الدنيا ووصلت تبعاته إلى الوطن الفلسطيني بدأت الصناعات الحرفية التقليدية تشهد تراجعاً ملحوظاً أثمره تطور الصناعات الحديثة ومواكبة العالم لعمليات التصنيع الإلكتروني خاصة في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي فبدأ الركود يشوب صناعة الأواني الفخارية وبات العطاء المستمر من قبل الحرفيين ينضب ويتوارى شيئاً فشيئاً حتى بدا واضحاً وجلياً منذ العقد الثالث للقرن الماضي وبقي عدداً بسيطاً من أولئك الصناع المهرة بل والفنانين المبدعين يجابه ويحارب من أجل بقاء حرفته وحرفة أجداده بعضهم عمد إلى شراء آلات حديثة والبعض الآخر أصر أن يستمر بإبداع الصناعة التقليدية من أواني وأباريق وقوارير وصحون مزينة بألوان زاهية وأخرى تصلح كأركان وزوايا ديكور رائع في جنبات المنزل والحدائق.
حكاية الفخورية والحرفي
ما إن تطأ أولى خطوات أقدامك منطقة الفواخير وسط قطاع غزة حتى تنقلك إلى عالم آخر من البساطة والعراقة في آن واحد، قوارير مزخرفة بألوان قوس قزح وأخرى فقط ازدانت بلون الطين الأحمر وثالثة تغير لونها بما يشبه أشعة الشمس الساطعة ينسل إليها بريقاً وضياءً منقطع النظير وإلى اليسار قليلاً تجد أواني منزلية لا زال الكثيرون ممن عشقوا التراث يصرون علي اقتنائها واستخدامها في طهي بعض الأكلات كالأرز واللحم فتعطيه نكهة لذيذة ورائحة ذكية وأخرى تستخدم لسلطة الطماطم المهروسة مع قليل من الفلفل والثوم والليمون فتزيد روعة مذاقها وتفتح شهية من لا شهية له.
هناك وسط المكان الضاج بالتفاصيل الجامعة بين الحداثة والأصالة كان يجلس الحاج أبو سليمان عطا الله، بادرنا بابتسامة أغرقت تفاصيل وجهه انفرجت معها تجاعيد أبرزتها سنوات عمره الطويلة فقد تجاوز الستين بتسعة أعوام، قال أنه ورث المهنة عن والده وجده وبات منذ سنوات عمره الأولى مولعاً بها يتفنن في إبداع تفاصيل حتى لو كانت بسطة كإبريق للمياه العذبة أو طبقاً مضرب بأشكال هندسية تتراوح ألوانها بين الأحمر والأبيض وضده الأسود لإبراز روعة التصميم ودقة التفاصيل ، ويلفت الحاج أبو سليمان إلى أن الألوان طبيعية لا تتضمنها أصباغ صناعية ليبقى استخدامها آمناً خاصة إذا ما تعلقت بالأواني المستخدمة في المأكل والمشرب، مشيراً إلى أن سر الألوان الطبيعية يكمن في بعض الإضافات على عجينة الفخار فإذا أردت الأبيض فزد عليها قبل العجن قليلاً من الملح وسيتضح لك اللون خلال مراحل التصنيع الأخرى عند وضعه في الفرن، أما الأحمر فهو اللون الطبيعي للطين ويبقى الأسود نحصل عليه بإغلاق فوهة فرن الفخار فيسد المسامات ويكسب القطعة اللون الأسود .
ويتابع الرجل :" ما يزيد تفاصيل القطع التي نصنعها جمالاً أن المادة الخام من الطين تكاد تخلو من الشوائب وما يوجد بها نتخلص منه سريعاً بالماء فتبرز الأحجار وبقايا النباتات ويتم استخلاصها " ، ينض الرجل من جلسته التربيعية إذ كان مشغولاً أثناء حديثه إلينا بإنجاز قطع من الآنية الفخارية ينتحي بنا جانباً نحو الداخل، يطلعنا عملياً عل طريقة تخلصه من شوائب المادة الخام ويستمر قائلاً "هكذا يصبح الطين كالمستحلب أنتقى منه الشوائب بسهولة ، وأضاف :" بعدها تكون عملية ضرب الطين عمودياً ومن ثّم اقتطاع الكميات اللازمة وتكون بعدها عملية التشكيل كما رأيتموني في الخارج، وأخيراً تكون المرحلة النهائية بوضع الأواني الطينية لمدة أسبوع على الأقل في الهواء لتجف ثم تضمينها لأفران حرارية من الحجر الناري لتكون بعدها جاهزة للاستخدام