ترى كم من مخرج وتقني فقدوا وظائفهم بسبب انقطاع البث لدقيقة واحدة أو أقل. الشاشة السوداء عند انقطاع البث هي الخطيئة الكبرى لأي قناة تلفزيونية. لكن قناة «الفراعين» المصرية انقطع بثها ثلاث مرات في عام واحد، منها مرتان في الشهر الجاري، وذلك لأسباب كبيرة حيناً ولأخرى أكثرها تفاهة أحياناً، دون أن يلام أحد!
آخر هذه الانقطاعات كان مساء الأحد الماضي. لم ينقطع البث دقيقة واحدة بل استمر لأكثر من ثلاث ساعات. والسبب لم يكن أكثر من تعطل أجهزة التبريد التي تحافظ على أجهزة البث تحت درجات حرارة منخفضة. توقف البث الحي لتعرض القناة برامج مسجلة طيلة فترة الانقطاع (الهائلة بمعايير التلفزيون).
لكن تلك الفوضى، ليست سوى إحدى سمات قناة، تعد عينة من الفضائيات المصرية الخاصة، التي تكاثرت في الآونة الأخيرة، ومعظمها لا يراعي أدنى معايير العمل الإعلامي عامة، والتلفزيوني على وجه الخصوص، لدرجة أن إرسال القناة توقف قبل أيام من انقطاع الأحد الماضي، ولمدة أسبوعين كاملين! ولكنه كان - في تلك المرة - تنفيذا لعقوبة سياسية!
يمكن تلخيص صورة قناة «الفراعين» وشبيهاتها، بمجرد معرفة أن مالك القناة هو توفيق عكاشة، وهو رئيس مجلس إدارتها وعضوها المنتدب، وهو ممثلها لاستئجار استديوهاتها من «مدينة الإنتاج الإعلامي». وهو أيضاً مقدم برنامجها الحواري المسائي «مصر اليوم». ثم أخيرا هو نائب برلماني عن الحزب الوطني الحاكم، وكان يواجه في دائرته الانتخابية أحد أقطاب حزب الوفد والمعارضة المصرية «فؤاد بدراوي».
لكن عكاشة (فاز) على بدراوي بعد إعادة الانتخابات، علما بأن القناة لم تكتف بتكريس نفسها للدعاية الانتخابية لمالكها، بل أعلنت فوزه في الانتخابات قبل إجرائها بأربعة أيام! وهو ما رصدته باستغراب «لجنة متابعة ورصد وتصحيح الدعاية الإعلامية والإعلانية لانتخابات مجلس الشعب»، فانتقدت الأداء الإعلامي للقناة أثناء الانتخابات، ولم يحسن ذلك من أدائها، ما دعا اللجنة المذكورة – وهي لجنة رسمية – لأن تعتبر القناة صاحبة أسوأ
انتهاكات إعلامية أثناء الانتخابات البرلمانية.
ثم خرقت القناة «يوم الصمت» الانتخابي، وهو اليوم الذي يسبق الانتخابات، ويفرض على كافة أجهزة الإعلام أن تتوقف عن تناول الانتخابات والمرشحين. فاستضافت عددا من مرشحي الحزب الوطني، ووزيراً في الحكومة، فضلاً عن إجرائها دعاية إضافية لصاحب القناة. حتى أن وزارة الإعلام اضطرت لإصدار قرار بإيقاف القناة لمدة أسبوعين كعقاب لها، على الرغم من أن دعايتها كانت موجهة للحزب الحاكم. وربما لذلك خفت مدة الإيقاف لاحقاً لأربعة أيام فقط. ثم عاد إلى المدة الأساسية (أسبوعين)، فيما استنتج مراقبون أن الإيقاف ومدته تعبير عن صراع أجنحة داخل حزب الحكومة.
لكن قطع البث الثالث حسابياً، الأول زمنياً، وقع بقرار من رئيس القناة نفسه! فبعد شهور قليلة من انطلاق القناة، ومنذ عام، اتصل مشاهد أردني بأحد برامج القناة، وهاجم الرئيس المصري. كان رئيس القناة يشاهد البرنامج وراعه أن المخرج لم يقطع الاتصال، فأصدر أوامره بقطع البث من أساسه، لمدة ربع ساعة، عاد بعدها الإرسال لتستكمل الحلقة عبر تقديم مديح متواصل للرئيس، سواء من قبل مقدم البرنامج أو ضيوفه.
إذاً، قطع البث لا يتم قهرا دائماً، يكون أحياناً «بيدي لا بيد عمرو» .