بسم الله الرحمن الرحيم
تبقى فكرة الأنفاق براءة اختراع فلسطينية، فالفلسطيني هو أول من أدخل فكرة الأنفاق في حربه ضد أعدائه، وذلك قبل حوالي 900 سنة في الحرب ضد الصليبيين، فيحدثنا أسامة بن منقذ في كتابه الاعتبار أن فدائياً فلسطينياً من البدو تفتق ذهنه عن فكرة مجنونة لتحرير صديقاً له من سجن بيت جبريل الصليبي، وكان هذا السجن عبارة عن جب تحت الأرض، كان قد اعتقل فيه هذا الفدائي قبل ذلك، وصادف فيه أميراً مسلماً، فقطع عهداً على صديقه الأمير بأن يحرره، لقد مكث هذا الفدائي أكثر من خمسة أشهر وهو يحفر نفقاً من قرية خربة بعيدة عن السجن، والمعتقل ينتظر الفرج حتى وصل إلى درجة اليأس، وفجأة بزغ نور الأمل عندما أطل الفدائي برأسه من فتحة النفق وأمسك بيد الأمير وفك قيده، وأخرجه من سجنه وأوصله إلى بيته.
فهل لنا في هذه القصة من عبرة، أما آن لهؤلاء الأسرى القابعين في أقبية السجن الانفرادي الصهيوني، والعزل تحت الأرض أن يروا النور، ويعودوا إلى أهلهم وذويهم، ويستنشقوا نسيم الحرية, فالمسئولية على عاتق قادة المقاومة ليست سهلة، فكما أبدع هذا الفدائي في سنة 538هـ بهذه الفكرة العبقرية، وأبدعت المقاومة في عملياتها النوعية، فعليها أيضاً أن تفكر في خيارات جديدة لتحرير الأسرى إن لم تفلح جهود إتمام عملية تبادل الأسرى، فليطلقوا العنان لإبداعهم لانتهاج بدائل أخرى لإطلاق الأكرمين من سجون الظالمين، وليعملوا بأمر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال: "فكوا العاني".
لقد تقاسم أسير الجب مع أسرانا في سجون الاحتلال في قواسم مشتركة، فهو يحدث عن نفسه قائلاً: "بقيت في الجب سنة لا يسأل عني أحد"، وهكذا حال أسرانا البواسل، فهم لا بواكي لهم، ولا يسأل عنهم أحد ممن تشدق بحقوق الإنسان، في حين نرى أن رؤساء الدول والمحافل الغربية يهرولون في سبيل إطلاق سراح الجندي الأسير لدى المقاومة جلعاد شاليط، مع علمهم المؤكد أن أسرانا الأماجد يعيشون ظروفاً صعبة للغاية، فهم يتعرضون للتفتيش العاري، والمصادرة المستمرة لممتلكاتهم، والعزل الانفرادي، والإهمال الطبي المتعمد، والمنع من الزيارة، وغيرها من الأساليب الصهيونية التي تستهدف قتلهم قتلاً بطيئاً، فنسأل الله تعالى أن يمن على أسرانا بالفرج القريب، إنه ولي ذلك والقادر عليه.