لقد كشف نيتشه من خلال بحثه الجينيالوجي عن أصل الأخلاق ومنشئها، عن الأحداث التاريخية الأولى والحقيقية التي كانت وراء تبلور ما يسمى بالوعي الأخلاقي .
هكذا فقد نشأ الوعي الأخلاقي في إطار علاقة تجارية بين الدائن والمدين؛ حيث أن هذا الأخير عجز عن أداء ما عليه من دين للأول، باعتباره واجبا عليه،
فعوض له ذلك بخضوعه له وانصياعه لأوامره. من هنا فأصل الوعي الأخلاقي، وبالتالي أصل الخير والشر، هو تلك القيم والواجبات التي وضعها
الدائنون ليعاقبوا بها المدينين ويصبحوا سادة عليهم .
إن العقاب في هذه الحالة لم يتخذ شكل تعويض مالي أو عقاري، وإنما اتخذ شكل عقاب معنوي وأخلاقي. وقد ترتب عنه ظهور
مبادئ وواجبات وأوامر يكون لزاما على المستضعفين الخضوع لها من أجل المحافظة على حياتهم .
وهكذا وبدل تعويض الدين مباشرة، تم تعويضه بشكل غير مباشر عن طريق تخلي المدين العاجز لسلطة القرار لصالح الدائن، الذي أصبح منذ هذه اللحظة،
وبفضل قوته وجبروته، يصدر الأوامر ويمارس مختلف أشكال العقاب على من هم تحت سيطرته .