يمثل التفكير أحد أنشطة العقل الإنساني الذي لا غنى عنه، أما تعريفه فهو إعمال العقل في مشكلة للتوصل إلى حلها كما ورد في بعض معاجم اللغة، فيما يشير ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ إلى أن التفكير من أفضل أعمال القلب ومفتاحه إلى الخير والسعادة. ولأهمية التفكير في حياة الإنسان فقد دعا إليه الإسلام من باب النظر والتأمل والتدبر تارة، ومن باب التبصر والتفقه والتعقل تارة أخرى، من ذلك قوله تعالى: {ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً} [آل عمران: 191] وقوله تعالى: {وفي الأرض آيات للموقنين. وفي أنفسكم أفلا تبصرون} [الذاريات: 20 ـ 21]. وقوله تعالى: {قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين} [الأنعام: 11].
ولأن الناس ليسوا سواء في تفكيرهم؛ فقد جاءت سلوكياتهم متباينة، بل وإن نظرتهم إلى الحياة عادة ما تكون مختلفة، وحسبي أن يكون هذا راجعًا لاختلاف القيم والأخلاق الاجتماعية والثقافية والمعتقدات السائدة بين الناس، ولما تؤديه المكنونات الداخلية للإنسان «إرادة، وبصيرة، وضمير حي أو عدمه»، بالإضافة إلى الدوافع أو الحاجات الأولية «الفسيولوجية» أو الثانوية كمقومات بشرية لبقاء النوع البشري وإعمار الأرض من أدوار أساسية في توجيه هذا السلوك الإنساني.
أما لماذا وكيف ومتى وأين وفيم نفكر؟ فمثل هذه الاستفهامات تحتاج منا إلى كثير من الوقت والصفحات، ولكن ما يهمنا جميعًا في هذا المقام هو ما يخص أبناءنا بصدد هذا التفكير فقط، كيف نجعلهم يفكرون بطريقة صحيحة؟ ولاسيما في هذا العصر المتلاطم بالأحداث والانفتاحية العالمية وما يشوبها من متغيرات فكرية وثقافية وحضارية، والتي بات من الضروري جدًا العمل على مواكبتها بكل الوسائل الممكنة شريطة ألا نبتعد بتاتًا عن قيمنا الاجتماعية الأصيلة وثوابتنا الإيمانية الراسخة.
وتتلخص أهم الوسائل اللازمة لتنمية هذا التفكير الذي نرمي إليه في النقاط التالية:
ü تقوية الجانب التفكيري لدى الأبناء سواء في منازلهم أو في مدارسهم، وذلك من خلال معرفة اتجاهاتهم والعمل على توجيهها بما يتناسب مع قدراتهم.
ü مساعدة هؤلاء الأبناء في تحديد وجهات نظرهم البناءة الهادفة، والعمل على تشجيعهم عليها كلما حصل منهم ذلك.
ü العمل على تعزيز قدرات هؤلاء الأبناء بإتاحة الفرصة لهم للتعلم الذاتي المستقل، بالإضافة إلى تنشيط ذاكرتهم، خصوصًا من هم داخل المدرسة بمختلف الطرق المؤدية لاسترجاع المعلومات التي تعلموها مسبقًا مثل:
ü مطالبتهم بحل مسائل رياضية أو عمل ملخصات أو صحف مدرسية أو بحوث علمية مبسطة تتضمن تحديد مشكلة بعينها داخل المدرسة ومطالبتهم بتقديم حلول مقترحة، شريطة أن يتفق هذا البحث مع ما يتناسب مع قدرات هؤلاء الطلاب ومع مرحلتهم الدراسية.
ü تكليفهم بأعمال فنية أو مجسمات أو رسومات بيانية أو تصنيفية أو تنظيمية أو أنشطة رياضية متنوعة تحتاج إلى مهارات معينة.
ü تكليفهم بإدارة مناقشات أو مناظرات داخل الصف أو لقاءات حوارية عامة في المدرسة.
ü منحهم القدر الكافي من الحرية التفكيرية أو التعبيرية، وذلك بتمكينهم من الحديث أو الإدلاء برأيهم حول موضوع معين داخل الصف بدلاً من منعهم بحجج غير كافية أو منطقية كضيق الوقت، أو أنهم ليسوا أهلاً للرأي بسبب صغر سنهم أو مستواهم الدراسي الأقل. وما شابه ذلك من أساليب القهر أو التسلط أو الاستبداد، والذي كان ولا يزال بعض المعلمين يمارسه!!
وفي هذا الصدد يقول أحد المربين ويدعى جول لوميتر: «خير تلميذ لي هو الذي ليس من رأيي».
دلت الدراسات التربوية والنفسية لكثير من الباحثين على أن تقويض أفكار الطلاب أو قمعها يؤدي إلى تحجرها أو انحسارها، ناهيك من أمور نفسية ضارة قد تلحق بهم من جراء هذا الأسلوب العقيم بحقهم كعدم مقدرتهم على مواجهة الجماهير أو التحدث إليهم، أو إصابتهم بالإحباط والكبت، وتقمص الشخصيات رغبة في الهروب من هذا الواقع المؤسف.